مقارنة العائد على الاستثمار بين محفظة زيد ومحفظة ضرار


قصة_استثمارية

“عَوداً إلى ضِرارٍ للمرّةِ الثالثة…”

نظراً لاستمرار خسارةِ العديد من الناس لمدّخراتهم، جرّاءَ تهافُتهم خلال السنوات الماضية على التداول في العملات الرقمية، وبالأخص في البتكوين، فإننا نجدُ أنفسَنا أمام حالةٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ تتطلّبُ دراسةً متأنّيةً ومتجرِّدة. حيث أنّ التداولَ في العملات الرقمية الافتراضية، وبالأخصّ اللامركزيةِ منها، تنطوي على مخاطرَ جسيمةٍ وغير محسوبة، ولا يمكن للمتعاملين تداركها أو الحدّ من آثارها لأسبابٍ لا تخفى على الكثيرين. وفي حقيقة الحال، إنّ مجرَّدَ إحصاء مخاطر وسلبيات تداول العملات الرقمية اللامركزية، لا تكلِّفُ المرءَ أكثر من ضغطتين أو ثلاث بأطراف أنامله. وما يحدث من تقلّباتٍ في سعر البتكوين، وعدمِ استقرارٍ في منصات العملات الرقمية خلال السنوات الماضية، تعكِسُ إحدى صور هذه المخاطر.

لا أتحدَّثُ هنا عن استخدامِ العملات الرقمية اللامركزية (DEX) كأداةِ تحويلٍ نقديةٍ من نظيرٍ إلى نظير (P2P)، بحيث تربط بين البائع والمشتري دون رقابةٍ أو وساطة، خصوصاً التحويلات الخارجية إلى المناطق السورية المحرّرة، فهذه ميّزة بحدِّ ذاتها، ولا تُعَدُ مشكلة، وقد تكون الميّزة الوحيدة في الوقت الحالي. ولكن، المشكلة تكمُنُ في المتاجرةِ بهذه العملات والمضاربةِ في أسعارها على منصّات التداول، ولجوءِ كثيرٍ من المتعاملين إلى استخدام أسلوب التحليل الفني في “التنبؤ” باتجاهات أسعار هذه العملات صعوداً وهبوطاً، ناهيك عن التشبُّثِ بالأنماط الكلاسيكية العجيبة (Patterns)، وتقنيات توقيت السوق (Market Timing)، وموجات إيليوت (Elliott Waves)، وغيرها من التقنيات والأدوات التي لا تتجاوزُ أن تكون أدوات تنويمٍ مغناطيسي للمُتعامل البسيط.

وللأسف، فقد رأينا نتائجَ ذلك -ولا نزال- في صاحبنا ضِرار (الذي تحدّثنا عنه في نشراتٍ سابقة) وغيره من المتعاملين، فالكثير منهم قد حلّت بهم كارثةُ خسارةِ كاملِ أو مُعظَمِ مدّخراتهم. والبعضُ الآخرُ أخذَ يُلَملِمُ متحسِّراً ما تبقى من فُتاتِ رأس ماله -اليسير أساساً- والذي تبخّرَ في منصات التداول المشبوهةِ والمكتظّةِ باليائسين والحالمين بالثراء السريع من أمثالهم. والأمرُ لم يقف عند هذا الحد، بل أخذ البعضُ منهم يعودُ أدراجَه يائساً خائباً يبحثُ عن مشغّل أموالٍ “معسولِ اللسانِ” ليعوّضهُ عن خسارته لأمواله، علَّهُ يحقِّقُ له أرباحاً ورقيةً أو حتى صوريّةً على أقل تقدير، وكأنه لا يكِلُّ ولا يملُّ من أدائه المستمر لدور الضحية. وللأسف الشديد، لاحظنا أنّ من غاصت قدماه في وحلِ مستنقعِ العملات الرقمية اللامركزية، هو نفسه من يقعُ مِراراً وتكراراً فريسة فِخاخ مشغّلي الأموال المُخادعين، وفي شِراك مناديبِ التسويق الشبكي، وكأنه لا يُبالي بتكبُّده لهذه الخسارات المتتالية!

سبَقَ أن قمنا بتحذير عملائنا وتنبيهِهم من مَغبّة الانجرار وراء أحلامِ الثراءِ السريع، وألّا ينساقوا إلى وسائل غير تقليديةٍ وغير عقلانية في كسبِ المال؛ كالاشتراك في حملات التسويق الشبكي، أو شبكات البونزي (Ponzi Scheme)، أو التداول في العملات الرقمية، أو تشغيل أموالهم لدى محدَثي النّعمة أو مجهولين. وفيما يتعلّق بحالة البتكوين، المشكلةُ لا تكمُنُ في جدوى الاستثمار في الأصول الافتراضية من عدَمِها بشكلٍ عام كالكريبتو (Crypto) و (NFT)، بقدرِ ما تكمُنُ في أنه من الواجب على المرءِ تحرّي الحلال في كسْبِ المال، والتورُّع قدر الإمكان عن الوقوع في الشبُهات، والتفكير بعقلانيةٍ وتأنٍ بعض الشيء.

وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتينّ على الناسِ زمانٌ، لا يُبالي المرءُ بما أخذ المال، أمِن حلالٍ أم من حرام.) وفي هذا الحديث يخبرنا رسولنا الكريم أنّ الناسَ سوف تتغير بهم الأحوال، وتتبدّل بهم الأزمان، ويأتي عليهم زمانٌ يضعفُ فيه الدين، وتَفسُدُ الضمائرُ والذمم، ويتكالبُ الناسُ فيه على جمعِ المال، ولا يبالي المرءُ من أين أصابَ المال؛ من حلالٍ أو حرام، فلا تُهِمُّهُ الوسيلةُ التي اكتسب بها المال، والطريق الذي أَخذه منه، سواءٌ كان من كسبٍ حلالٍ؛ كالبيعِ المبرور، وعملِ اليد، أم من الحرام؛ كالاختلاسِ، والربا، والقمارِ، والرشوةِ، وغيرها، فهدفهم وغايتهم جمعُ الأموال والتكسُّب دون تحرّي الحلال والحرام. وقد صدرت فتوى مؤخراً من قِبل (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في شهر أيلول الماضي “بعدم جواز التعاملِ بعملةِ البتكوين والعملات الرقمية الأخرى غيرِ الرسمية.”

وعلاوةٌ على ذلك، فإنّ الثراءَ ورغَدَ العيشِ لا يتحققان بالاتّكالِ على التحديقِ بوميضِ المؤشرات الحمراءِ والخضراءِ الزاهيةِ في منصات التداولِ ليلاً ونهاراً، أو عبر نسْجِ الأوهامِ وأحلامِ الثراءِ السريع بتتبُّعِ الرسومات الفنية الكلاسيكية المُثيرةِ للسخرية كالرأس والكتفين (Head & Shoulders)، والكوب والمسكة (Cup & Handle)، وشموع الدوجي (Doji)، وقفزة القط الميّت (Dead Cat Bounce)، وغيرها من الأدوات والطلاسِم التي لا تزيدُ المرءَ إلا فقراً وهمّاً وحِيرة. والجديرُ بالذكر، أنّ التجاربَ الإنسانية تؤكّدُ على أنّ الثراءَ أو الكفاف -على أقل تقدير- لا يتحقّقان إلّا بالكَدِّ وبذْلِ الجُهدِ ومواصلةِ التعلّم، وقبل ذلك كلِّه، بالاتّكالِ على الله تعالى، والتورّعِ قدر الإمكان عن المعاملات والممارسات المشبوهة وغير العقلانية في الاستثمار وكسبِ المال.

وإذا أردنا أن نتكلّم عن صاحبنا زيدٍ، فقد أقدمَ -بعد توكله على الله- على استثمار أمواله في شركة نماء للاستثمار منذ بداية عام 2021م برأس مالٍ وقدره 10,000$. وقد حقق -بفضل الله- أرباحاً نقديةً منذُ ذلك الحين وحتى اليوم وقدرها 8,030$ كتوزيعات أرباحٍ شهريةٍ، و 2,500$ جرّاء ارتفاع قيمة السهم الاسميةِ من 100$ إلى 125$ عبر رسملة الاحتياطي. وعليه، يكونُ إجمالي ما حققهُ زيدٌ من استثماره معنا 10,530$، أي أنّ العائدَ على الاستثمار (ROI) بلغ %105.3 من رأس ماله الذي استثمره منذ بدايةِ تأسيس الشركة، قبلَ سنتين وأربعةِ أشهر.

أمّا صاحبنا ضِرار، وعلى النقيضِ من ذلك، فقد انساقَ -غفر الله له- خلفَ أحلامِ الثراءِ السريع الذي روّجَ له البعض، فأقدمَ على بيعِ سيارتِه ومصاغِ زوجتِه، وألقى بمبلغِ 10,000$ في غَيابةِ جُبِّ العملات الرقمية منذ بداية عام 2021م. ففي حال أنّ ضِراراً لم يُضارب قط، واكتفى بالاستثمار فإنه تكبَّدَ خسارةً تجاوزت %15.4- من رأس ماله نظراً لانهيار قيمة البتكوين لمستوى 28,033 حتى كتابةِ هذا المقال، ناهيكَ عن إضاعةِ الوقت، والتعلُّقِ بالأماني، وتَتبُّعِ التوصيات المدفوعة، ودفاعِه المستميتِ عن “لا مركزية العملات الرقمية ومستقبلها المُشرِق” خلال سنتين وأربعة أشهرٍ من عمره.

خلاصةُ القول، لدينا -ولله الحمد- في شركة نماء للاستثمار 5,100 زيدٍ (خمسةُ آلاف ومئة مساهم)، ولكن يا تُرى! كم ضِراراً لدينا في المناطق المحرَّرة؟

“دع ما يُريبُك إلى ما لا يُريبُك”

انقر لمشاركة الرابط عبر وسائل التواصل الاجتماعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *